​القبيلة إنتماء مكلف

القبيلة انتماء مكلف

كل فكرة تكون في بدايتها فاعلة ومنتجة ومن ثم ما تلبث حتى تستنفذ كل أغراضها فتصبح مكلفة ومنهكة .
فمن خلال مفهوم الأفكار المرهقة, سنثبت أن القبيلة كانت انتماءاً فاعلاً ومنتجاً ثم تحولت إلى انتماءٍ مكلف ومنهك.

– القبيلة كرمز الحرية :
كانت القبيلة تعتبر رمزاً من رموز الحرية حيث أن أفرادها الذين يعيشون في الصحراء بعيدا عن السلطة المركزية ينعمون بحرية و قوانين  ذاتية بعيدة عن تعسف الأحكام السلطانية .
ولأن القبيلة تحتضن الفرد وتحميه من أذى الآخرين ، وتحميه من أوامر السلطان التعسفية وتضمن له حقوق معروفة وثابتة كم أن العادات التي يخضع لها قديمة وتبدو كأنها جزء من الطبيعة بالإضافة إلى أنها مبررة لأنه يرى فائدتها ويؤمن أيضا بأن العادات ناتجة عن إرادة القبيلة وباختيارها وليس بالرغم عنها وهذه هي الحرية (الطاعة الطوعية للقانون)لأنه يرى فائدة هذه القوانين عليه فهو يختار أن يطيعها لأن القبيلة لا تسلبه هذه الإرادة الداخلية بل تساعده على إبرازها
بخلاف الأحكام السلطانية فهي متغيرة وناتجة عن إرادة فردية تعسفية تهدف لمصلحة السلطان فقط ،  فطاعة هذه القوانين ليست حرية بل قهرية لأن الفرد يطيعها مرغما فهو  يرى أنها لا تخدم مصالحه اذاً هي قهرية لأنها تسلبه الإرادة الداخلية وهذا معنى كلام ابن خلدون ( الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها أجنبي ) أي الوازع فيها ليس القناعة الداخلية بل وازع خارجي وهو عنف الدولة .

 -الفصاحة و الشجاعة و المروءة:
كانت البداوة رمزا للفصاحة والشجاعة و المروءة
 إذ أن البدوي بفضل الحرية والمنعة التي وفرتها له قبيلته التي جعلته يفصح عن كل ما بداخله دون أي قيود ومن هنا كسب الفصاحة والشجاعة بعكس أهل الحاضرة الذين بسبب تعسف الأحكام السلطانية لا يستطيعون أن ينطقوا وهل ينطق من في فيه ماء ، ولماذا  يسمح  الحاكم لهم بالأفصاح عما في أنفسم و ليس في أنفسهم إلا السخط عليه وعلى نمط حكمه فيصبح هذا المجتمع قدراته في الفصاحة و الخطابة ضعيفة جداً لأنه لا يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم بحرية .

القبيلة كالنظام دمقراطي إشتراكي:
كان شيخ القبيلة يهمه جداً السماع لأفراد قبيلته فمشيخته يستمدها من احترامه لأفراد قبيلته وعمله من أجلهم فإذا ظلمهم أو استغلهم تركوه لذا كان حريصا على إرضائهم و استمالتهم ( كالدمقراطية ) وكان أفراد القبيلة يشتركون مع الشيخ  في استثمار الأرض ويشعرون أنهم شركاء في الأرض لا مأجورين – استثمار تعاوني ( اشتراكي ) غير أن هذا كله تبدد.

هل الواقع الجغرافي يصادق على أن القبيلة رمز للحرية ؟

الواقع الجغرافي الآن يخبرنا أن القبيلة لا تعبر عن الحرية والفصاحة والمروءة بل على العكس تماماً الآن تعبر عن القهر و الفقر والأمية و الخضوع التام للعادات والأعراف لقد تبدل الحال تبدلاً كبيراً إذ أن فكرة القبيلة أستنفذت كل أغراضها وأنقلبت على ذاتها بعد تبدل الواقع و دخولها تحت نفوذ الدولة و تحول شيخ القبيلة من ثوري اشتراكي متمرد على الدولة إلى إقطاعي يعمل لها بسبب ما توفر للدولة من وسائل حديثة حيث  أصبحت أكثر شمولية وأمتد نفوذها حتى وصل للجماعات و التجمعات التي كانت تعيش خارج حدودها وأصبح الآن من غير الممكن العيش خارج حدود الدولة بعيداً عن أحكامها السلطانية
فبعد ما دخلت القبيلة عنوة تحت نفوذ الدولة سجلت الأرضي بإسم شيخ القبيلة وأصبحت الأرض ملكاً له بعد ما كانت الأرض ملكاً للقبيلة يستثمرون الأرض على أساس تعاوني بمعنى شركاء في الأرض ، أصبح الشيخ الآن قادر على استغلالهم ولا يعبأ بهم فهو الآن لا يستميل ولا يداهن إلا الحكومة لأن مشيخته الآن مستمد ليس بأعتراف القبيلة به بل باعتراف الدولة به

فشيخ القبيلة الذي كان يعبر عن الاحترام المتبادل بينه وبين أفراد القبيلة أصبح يستحقرهم ولا يقيم لهم وزناً لأن شيخ القبيلة أصبح الآن إقطاعياً وليس إشتراكيا

شيخ القبيلة الذي كان يحمي أفراد القبيلة الآن هو مخبر عند الدولة يسلم من تريده الدولة إليهم من خلال استعانة الشيخ  بأفخاذ القبيلة وقد وقفت على حادثة من هذه النوع  … حين قام شخص من أفراد القبيلة بالإستنجاد بشيخ العشيرة وطلب حمايته ظناً منه أن الشيخ -كما في السابق – يحمي أفراد القبيلة ولكنه تفاجأ أن  شيخ القبيلة قام بتسليمه لقسم الشرطة لأن الشيخ الآن عامل عند الدولة وليس كالسابق متمرد على الدولة , يظهر جلياً دور الإشتراكية في انعاش قيم الحرية و المروءة و الأخلاق ودور الإقطاع في تدميرها

هل انتهت الحرية بانتهاء القبيلة ؟ 
في السابق لينال الفرد حريته عليه أن يعيش خارج حدود الدولة بعيدا عن مركز السلطة ، الآن هذا غير ممكن لمنع الدولة وجود تجمعات خارج نفوذها إذ علينا أن ننال حريتنا داخل الدولة ولا يمكن نيل الحرية داخل الدولة بغير أدوات الدولة

وهذا ماستكون عنه مدونتي التالية

الحرية داخل حدود الدولة بأدوات الدولة

يتبع

رأيان حول “ ​القبيلة إنتماء مكلف

  1. بالرغم من ذوبان سلطة القبيلة ” ظاهريا ” إلا أن سيادة شيخ القبيلة تحتفظ بقدر كبير من الاحترام والتقدير حدّ الإسراف في ذهنية ابن القرية وقليل من أبناء الحاضرة .
    تكاد تكون القبائلية هي الصورة الواضحة لتعاطي المجتمع مع المتغيرات سيما أن الأراء السياسة لا تأتي الا في سياق مصلحتها الخاصة وما يحفظ ديمومتها ، لذا كثير من القضايا هي في قبضة القبائلية
    الخوف من العار مثالا بدلا من سلوك مسلك القانون وغيرها كثير مما يجعل القبيلة بحق انتماء مكلف
    أنا في شوق كبير للمقال التالي

    لا فض فوك ولا أفل نجمك

    الظروف المتغيرة السريعة تضرب كثير من المفاهيم

    Liked by 1 person

أضف تعليق